«المخالفون» في البترا: فشل تنموي لا مجرد مخالفات

الأحد 06 تشرين الثاني 2022
البترا
أحد محلات بيع التحف داخل الموقع الأثري. تصوير علي السعدي.

قبل شهرين تقريبًا، استعانت سلطة إقليم البترا التنموي السياحي بالأمن لتنفيذ حملة على أصحاب الأعمال المخالفة داخل الموقع الأثري في المدينة. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو توثق مشهد دخول عربات الدرك، وإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع. بعد ثلاثة أيام من الحملة، قال رئيس السلطة، سليمان الفرجات، في مقابلة تلفزيونية، إن الاستعانة بالأمن كانت الحل الأخير لمعالجة المخالفات، بعد أن فشلت كل الحلول «السلمية» الأخرى.

جاءت الحملة بعد عقود من شكاوى حكومية من أن قسمًا كبيرًا من النشاطات الاقتصادية الممارسة داخل الموقع الأثري غير مرخصة؛ بسطات لبيع السلع التذكارية وتقديم المشروبات والوجبات الخفيفة، حمير وبغال لركوب السياح، استيفاء أموال من زوار الموقع مقابل صعودهم للمناطق المطلة، سكنى الكهوف وتأجيرها للسياح، وعمالة الأطفال.

في مقابلته السابقة قال الفرجات إن 80% من المخالفات، اختفت في اليوم التالي للحملة. لكن، بعد شهرين على ذلك، يمكن لأي زائر للمدينة أن يرى أن شيئًا لم يتغير على الوضع. وكل ما تمخضت عنه الحملة، إضافة إلى الدعاية السيئة للمكان، كان زيادة حالة الاحتقان بين أبناء قبيلة البدول، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من العاملين داخل الموقع الأثري، من ناحية، والحكومة من ناحية أخرى. الحكومة التي يقول الأهالي إنها لم تفلح بعد أكثر من أربعين سنة من الفوضى داخل الموقع الأثري، الذي يشكل مصدر عيشهم الوحيد، في تنظيم علاقتهم بالموقع ضمن صيغة تحافظ عليه، وتحفظ لهم في الوقت ذاته مصدر رزقهم. بل ظلت تتعامل معهم بوصفهم عبئًا تريد إخراجه من المكان، دون توفير بدائل دخل عادلة. وظلت طوال عقود، تحاول فعل ذلك بفرض حلول ليسوا شركاء حقيقيين في صياغتها.

«درب الأنباط»: محاولة تنظيم جديدة

هناك في البترا ستة تجمعات قبلية،[1] لكن المشكلة السابقة تتعلق بشكل أساسي بمجتمع البدول البالغ عددهم أربعة آلاف شخص تقريبًا. ذلك أنه لاعتبارات تتعلق بتوزيع الواجهات العشائرية في المنطقة، وهي المناطق التي كانت تاريخيًا مناطق نفوذ القبائل، استقر العرف منذ عقود، كما يقول فرحان* أحد العاملين داخل الموقع الأثري، على أن حق العمل داخل الموقع الأثري منحصر بتجمعين قبليين، هما البدول وأبناء وادي موسى. ولأن الأراضي داخل الموقع الأثري هي، تاريخيًا، أراضي البدول، فقد قُسّمت الأدوار بين الطرفين داخل الموقع بحيث وضع البدول أيديهم على معظم النشاطات فيها. وهي محلات بيع السلع التذكارية والاستراحات والبسطات، والحمير والبغال غير المرخصة، والجمال بنوعيها المرخص وغير المرخص. في حين يعمل أهالي وادي موسى على الخيول المرخصة، التي استبدلت «السلطة» مؤخرًا، عددًا منها بسيارات «غولف». وإن حدث في السنوات الأخيرة تداخل في نشاطات الطرفين، إذ اشترى عدد من البدول قسما من خيول وادي موسى، في حين اشترى عدد من أهالي وادي موسى حصصًا من المحلات.

هناك وقت، يقول الفرجات، في مقابلة مع حبر، مورست فيه الأنشطة السابقة بعشوائية، إلى أن تقرر تنظيمها في التسعينيات. جمعت كل مجموعة بسطات في محل، وقسمت حصص كل محل بين أصحاب هذه البسطات، والتي يبلغ عددها حاليا 16 محلًا. كما نظّمت أيضًا الخيول ضمن جمعية يبلغ عددها 353 حصانًا. ونظّم عمل الأدلاء السياحيين المحليين وعددهم 228 دليلًا، ضمن جمعية. ونظّمت بعدها الجمال في جمعية، تضم 30 جملًا. وتتلقى هذه الجمعيات، بموجب نظام لتقديم الخدمات، حصصًا ثابتة من كل تذكرة دخول، هي ثمانية دنانير للخيول، 35 قرشًا للجمال، ثلاثة دنانير للأدلاء السياحيين. في حين ظلت الحمير والبغال من دون ترخيص. وهذه الأخيرة، يلفت الفرجات، أصبحت ظاهرة ابتداءً من منتصف التسعينيات، بعد أن حلّت محل الخيول في الدخول إلى الموقع الأثري. الخيول التي صدر آنذاك قرار حكومي بمنع دخولها إلى الموقع، لتخفيف الاكتظاظ داخله إثر تزايد عدد السياح، عقب اتفاقية وادي عربة.

لقد راعى تنظيم النشاطات الاقتصادية آنذاك، يقول الفرجات، توزيع المنفعة الاقتصادية على جميع العائلات، لكن هاشم* وهو صاحب محل منظم، يقول إن الكثير تغير منذ خطوة التنظيم تلك. لقد زاد الناس، بحيث إن توزيع الموارد الذي ضمن التنظيم السابق حدًّا أدنى له، لم يعد يحقق هذا. والآن تتشارك في هذه الموارد عائلات فرّخت عائلات أخرى. محله مثلًا، يتشارك فيه الآن 33 وريثًا. وهذا هو السبب في أن الموقع شهد خلال العقدين الماضيين نزول أجيال جديدة من الشباب وأرباب الأسر الناشئة. وهذا عنى المزيد من البسطات والدواب غير المرخصة. بحسب الفرجات، هناك الآن 184 بسطة مخالفة، وما بين 300-400 دابة غير مرخصة، يرتفع عددها في مواسم ازدهار السياحة.

تقول جميلة* وهي إحدى بنات أم صيحون، إنه كانت هناك محاولة تنظيم جديدة، لمعالجة المخالفات في الموقع، وهي تعتقد أن الاستعانة بالأمن كانت ردّة فعل على فشل السلطة في محاولتها هذه. في تشرين الأول العام الماضي، أشرفت «السلطة» على تأسيس جمعية ضمت 545 شخصًا من مالكي الدواب والبسطات المخالفة والعاملين على المطلّات. الجمعية، التي سميت «درب الأنباط»، عقدت في أيار الماضي اتفاقية مع «السلطة» نصّت على إزالة المخالفات، مقابل تأمين مصادر دخل بديلة. لكن تطبيق الاتفاقية تعثّر لأن البدائل التي قدّمت لم تكن مجدية عمليًا.

بسطات داخل الموقع الأثري. تصوير دلال سلامة.

تنص الاتفاقية على إزالة الأعضاء لكل أشكال المخالفات التي تخصهم أو أفراد أسرهم، من استخدام للكهوف، والدواب، وعمالة أطفال، وغيرها. كما تلتزم الجمعية بتقديم الخدمات ضمن مشروع خط نقل، تنوي «السلطة» تشغيله في الطريق الخلفي للموقع الأثري. وتلتزم «السلطة»، في المقابل، بمنح الجمعية دينارًا من كل تذكرة دخول، إضافة إلى خمس سيارات كهربائية، لنقل السياح من المدرج إلى قصر البنت. كان مقررًا أن يضاف إليها خمس أخرى في حال تمديد الاتفاقية بداية أيلول الماضي، بحيث يخصص 95% من دخلها للجمعية.

يقول الفرجات لحبر إنه تم ضمن إطار هذه الاتفاقية تشغيل 200 من أعضاء الجمعية، للقيام بالخدمات التي نصّت عليها الاتفاقية. 150 منهم وظفوا براتب 300 دينار، والخمسون الباقون براتب 400 دينار. وكان هناك مرونة في تطبيق الاتفاقية بحيث سمح باستمرار عمل الدواب المخالفة، شرط ابتعادها عن المسار الرئيسي، حيث تعمل سيارات الكهرباء. لكن المخالفات ظلت قائمة. لهذا فُضّت الاتفاقية، وسحبت «السلطة» السيارات من الجمعية. لكنها لم تسرّح العاملين. ويقول الفرجات هنا معلقًا إن هذه فرصة تمّت إضاعتها، لأنه إضافة إلى الوظائف التي أُمّنت، فإن الدينار المقتطع من التذاكر، كان يمكن أن يوفر لأعضاء الجمعية مليون دينار سنويًا، وكان يمكن للسيارات الكهربائية أن تأتي بمليون آخر في المواسم الجيدة.

يقول رئيس الجمعية، محمد البدول، إن هناك أخطاء بالفعل وإن المخالفين يريدون التنظيم بقدر ما تريده السلطة. فهم، في النهاية، يعانون بشدة من استهدافهم بالعدد الهائل من ضبوطات المخالفات وأحكام الغرامات التي تحرر ضدهم. تتراوح الغرامات على المخالفات بين مئة وألف دينار.[2] ووفق الفرجات كان هناك خلال العام الحالي 1920 مخالفة.

لكن المشكلة، يقول محمد البدول، إن محاولة التنظيم الأخيرة، لا تحقق الحد الأدنى من احتياجات العاملين الذين ستؤدي إزالة المخالفات إلى فقدانهم لدخولهم. فالمليونا دينار سنويًا، عند توزيعها على الأعضاء ستكون تقريبًا 300 دينار شهريًا لكل عضو، وهذا ليس دخلًا كافيًا.

الحلول التي تتجاهل الحاجات

كما سبق أن أفاد العاملون في الموقع، لم تقدّم محاولة التنظيم الأخيرة بدائل تلبي بشكل حقيقي احتياجات السكان، لهذا استمر الوضع على ما هو عليه. ويبدو هذا خللًا تكرر تاريخيًا في محاولات الحكومة تنظيم علاقة المجتمع المحلي بالموقع الأثري. خلل تجلّى بوضوح في أحد أهم مشاريع تنظيم هذه العلاقة، وهو مشروع نقل أبناء القبيلة في عام 1985، من أماكن سكنهم في الكهوف داخل المحمية الأثرية، إلى وحدات سكنية في إسكان أم صيحون المتاخم للموقع الأثري، كان من المفترض أن يعوضهم عن أراضيهم التي فقدوها داخل المحمية.

لقد كانت عملية النقل هذه إحدى توصيات خطة[3] مبكرة لتطوير الموقع الأثري، أعدت العام 1968. وكانت أشارت إلى أن البدول يعيشون داخل الموقع الأثري في فقر مدقع، فيسكنون الكهوف، ويمارسون نشاطات تسبب الضرر للموقع الأثري وبيئته الطبيعية، مثل الزراعة، ورعي الحيوانات، والتنقيب غير الشرعي عن الآثار. وشددت الخطة على ضرورة أن تسبق عملية نقلهم دراسة لاحتياجاتهم، وتوفير مصادر دخل بديلة، بحيث يحقق النقل هدفين؛ تحسين حياة هؤلاء الناس، والحفاظ على الموقع الأثري.

لكن، وفي وقت حذّرت الخطة من أن يكون ترحيلهم مجرد عملية «إزاحة» لهم من المكان، فإن هذا بالضبط ما حدث بعدها عندما نقلوا إلى أم صيحون، فقد «أزيحوا» من الموقع، ضمن عملية نقل تجاهلت احتياجاتهم، ولم تضمن لهم مصادر دخل بديلة.

فقد تقرر بعد نقلهم، تنظيم حركة الدخول إلى الموقع الأثري لتصبح بتصاريح تقتصر على من لديهم أشغال في الداخل. ونظريًا، كان هذا ممكنًا، لأن السياحة لم تكن وقتها مصدر الدخل الوحيد، إذ كان الناس يعتمدون أيضا على تربية الحلال، وعلى زراعة أراضيهم داخل المحمية. المشكلة هي أنهم نقلوا إلى وحدات سكنية ضيقة، لم يتوفر فيها إمكانية لا للزراعة ولا لتربية الحلال، ذلك أنهم كانوا محاطين داخل الإسكان، الممتد على مساحة كليومترين بأراضي العشائر الأخرى.

لهذا فإن ما سبق، عنى عمليًا فشل مشروع الإسكان في قطع علاقة الناس بالموقع الأثري، لأنهم ظلوا بحاجة لأراضيهم داخل المحمية من أجل الزراعة والرعي. وظلوا بحاجة لكهوفهم لتأمين مبيت قطعانهم فيها. والنتيجة أنه حتى العائلات التي انتقلت إلى الإسكان، لم تتخل عن كهوفها، التي ما زالت إلى الآن تورّث للأبناء والأحفاد. وفي الموقع الأثري الآن عائلات لم تغادر الكهوف أصلًا، وعائلات أخرى تأسست فيها بسبب القيود الصارمة على البناء في أم صيحون. وهناك ظاهرة الشباب العزّاب الذين يتركون أسرهم في أم صيحون لضيق الوحدات السكنية. يقول محمد الذي يعمل على بغل، وتتكون عائلته من 13 فردًا: «عندي مغارتين جاهزات للسكن (..) رح أرحل، وأسكن في هرابة [مغارة] أبوي وجدّي».

وقد تعقّد الوضع أكثر عبر السنين، بعد أن انحسرت تدريجيًا نشاطات الزراعة وتربية الحلال لدى البدول، بالتزامن مع انحسارها في المملكة بشكل عام. وكانت محصلة كل هذا تزايد اعتمادهم على السياحة، لتصبح أخيرًا مصدر الدخل الوحيد للأغلبية الساحقة منهم.

خلال السنوات القليلة الماضية، كان هناك محاولة أخرى لتنظيم البسطات المخالفة، شبيهة بتلك التي تمت في التسعينيات، لكن خارج الموقع الأثري هذه المرة. هذه المحاولة هي «القرية التراثية»، وهي تجمّع من 80 كشكًا أنشأته «السلطة» في قرية البيضا، على بعد تسعة كيلومترات تقريبًا من المحمية. يقول الفرجات إن الأكشاك متاحة للاستئجار لمن يريد، لكن الأولوية ستكون للمخالفين من أصحاب البسطات، داخل الموقع الأثري، خصوصًا النساء. وسيمنحون هذه الأكشاك مجانًا، بحيث يمكن أن يتشارك عدة أشخاص في كشك واحد. وبحسبه فرصة البيع فيها ستكون أكبر من الموقع الأثري الذي تقتصر ساعات العمل فيه على ساعات النهار، في حين أنه من المقرر أن تعمل هذه القرية من السابعة صباحًا إلى ما بعد منتصف الليل. ومن المقرر أن تكون كلفة زيارتها مضمنة في تذكرة الدخول. ووفق الفرجات، فقد أنشئت القرية بالتشاور مع ممثلين عن المجتمع المحلي.

لكن القرية ما تزال خاوية، إذ لم يتقدم أحد، من أم صيحون، لأخذ أي كشك. يقول هاشم إنه لا أحد يفكر بالذهاب هناك لأن السائح ببساطة يشتري منهم لأنه يراهم أمامه أثناء تجوله في الموقع الأثري، وليس هناك أي ضمانة بأن السياح، وقسم كبير جدًا منهم من كبار السن، سيكونون مهتمين، بعد إنهاء جولتهم في المحمية، بزيارة تجمع الأكشاك في البيضا، حتى لو كانت زيارة هذه الأكشاك ضمن التذكرة.

القرية التراثية في قرية البيضا، على بعد تسعة كيلومترات من المحمية. تصوير دلال سلامة.

رغم أن الفرجات يؤكد على أن الهدف من الإجراءات هو تنظيم العمل في الموقع، لا «ترحيل» الناس منه، إلا أن حالة فقدان الثقة بالحكومة التي عبر عنها العاملون كانت لافتة، والقناعة بأن البقاء في قلب الموقع الأثري هو الضمانة الوحيدة لاستمرار العلاقة معه. العلاقة التي يقول سعد* وهو أب لأربعة أطفال يعيلهم من عمله على حمار، إن للحكومة هدف واحد هو قطعها، وإرسالهم من ثم للمجهول. ووفق سالم* وهو أحد سكان أم صيحون، فإن الجميع يعرف أن الإجراءات تستهدف حاليًا المخالفين، لكن الدور قادم على المحلات المنظمة.

الفرجات تحدث بالفعل عن خطة «السلطة»، بعد الانتهاء من معالجة المخالفات، الالتفات إلى المحلات المنظمة، فهذه أيضًا ضمن معايير حماية المحميات الأثرية نشاطات تمثل عبئًا على الموقع، وهي «تشوه بصري» فيه. وهذا هو السبب في أنها ليست «مرخصة» قانونيًا بل فقط منظمة. وقال إن الخطوة القادمة هي إيجاد شكل آخر لتنظيمها، قد يكون بتقليص حجمها داخل الموقع، ومنح أصحابها أكشاكًا في القرية التراثية، لتكون فروعًا لها.

لهذا يقول سعد إنه وغيره، لا يقتصر رفضهم على الخروج من الموقع الاثري، بل ويرفضون أيضًا محاولة الحكومة إسكان من لا يملك سكنًا من أبناء القبيلة خارج أم صيحون. ويصرون على أن تبنى لهم وحدات سكنية في أم صيحون نفسها، التي لا يزال فيها إمكانية للتوسع على امتداد كيلومتر شمال القرية.

ما أشار إليه سعد يتعلق بإسكان قال الفرجات لحبر إن «السلطة» أسسته في منطقة ذراع القماش، على بعد ستة كيلومترات من الموقع الأثري، ستوزع وحداته مجانًا على العائلات التي ليس لديها سكن في أم صيحون. ذلك أن التوسع شمال القرية لن يحدث، بسبب صعوبة تضاريس المكان، ووقوعه في منطقة النطاق العازل (buffer Zone) مع المحمية. ويستغرب الفرجات رفض الانتقال إلى هذا الإسكان، في حين أن اختيار منطقته تم، كما في كل محاولات التنظيم، التي أقدمت عليها «السلطة» فيما يتعلق بالمجتمع المحلي في أم صيحون، بعد تشاور مع «ممثلين» عن البدول، أمر بحسبه «مثبت في محاضر الاجتماعات».

الرفض الجماعي لحلول كان قد تم الاتفاق عليها مع ممثلين عن المجتمع المحلي يثير التساؤل. وهنا يقول سالم تكمن المشكلة، إذ تجب مناقشة إن كانوا من يصدّرون بوصفهم «ممثلين» عن المجتمع المحلي يمثّلونه فعلًا، أو أنه يتم اختيارهم فقط لأنهم «على قد إيد الحكومة».

قصة فشل تنموي

رغم أن للبدول «ظاهريًا» الحصة الأكبر من العمل في السياحة، لكن من السهل ملاحظة الفرق بين استثماراتهم، وشركائهم في السياحة، أبناء وادي موسى، الذين تعد السياحة مصدر دخل أساسي لهم أيضًا. فمجتمع الوادي، كما هو واضح للزائر، استفاد من السياحة، عبر استثمارات كبيرة متطورة نسبيًا في منطقتهم المجاورة للموقع الأثري، من خلال الفنادق والمطاعم الكبيرة، ومعارض بيع السلع التذكارية. يضاف إلى ذلك أن ارتفاع نسبة التعليم لدي أبنائه، مقارنة بالبدول، لم تفتح فقط أمامهم أبوابًا أخرى للدخل غير السياحة، بل ساعدتهم، كما هو واضح، لتقديم منتج سياحي أكثر تطورًا.

في المقابل، تنخفض بشدة نسبة التعليم داخل مجتمع البدول، ويشكل التسرب من المدارس، مشكلة كبرى لديهم. لقد ظلت استثمارات البدول المرتبطين جسديًا بالموقع الأثري، والمقيدة، مع ذلك، حركتهم داخله، بالغة البدائية، تقتصر على أكشاك وبسطات تباع عليها تذكارات مصنوعة في الصين والهند، يحصلون عليها من وسطاء في عمان وغيرها. إضافة إلى استراحات بسيطة تقدم المشروبات والأطعمة الخفيفة. كما يقدم الشباب خدمة ركوب الدواب، والدلالة، والصعود بالسياح إلى المطلّات. وهي مهن يقول محمد البدول، تورّث، حيث يخرج الأطفال من سن مبكرة من المدرسة ويرافقون آباءهم ليتعلموا منهم، وفي سن الـ13 والـ14 يبدؤون العمل مستقلين.

بسطة على مدخل الخزنة. تصوير دلال سلامة.

تردي واقع التعليم في المنطقة، هو واحد فقط من مظاهر اختلال التنمية بمختلف جوانبها من بنية تحتية وصحة وغيرها. يقول الفرجات إن هناك خطة لتنمية أم صيحون من خلال شمولها ضمن العملية السياحية، إذ هناك خطة لإنشاء مركز للزوار فيها، ومحلات، بحيث تكون القرية واحدة من محطات الزيارة الأساسية. وهناك أيضًا خطة لإنشاء متنزه بقيمة 25 ألف دينار، إضافة إلى مشاريع مستقبلية أخرى.

للحكم على الواقع التنموي في أم صيحون، يكفي التجول فيها، ليرى الزائر أن الإسكان القائم على حدود واحد من أهم المواقع الأثرية في العالم، لا يبدو أكثر من عشوائية. وهذا هو صلب المشكلة. فهذه مجموعة بشرية، تركت طوال عقود لتتدبر أمرها من دون تنمية أو أي محاولة حقيقية لتأهيل رأس المال البشري فيها وأبلغ دليل على ذلك هو بؤس واقع التعليم لديها. إن فوضى علاقتها بالموقع الأثري هي نتيجة طبيعية لكل هذا.

والمشكلة في التعاطي الحكومي مع ما سبق، تكمن في أن الحكومة، صاحبة السلطة والموارد، والمسؤولة بحكم ذلك عن التنمية، تتجاهل كل هذا، وتصر على اختزال المشكلة في كونها «مخالفات»، واختزال البدول في أنهم مجموعة من الخارجين عن القانون، متجاهلة أن القضية في الحقيقة هي أن أم صيحون هي قصة فشل تنموية حكومية عمرها أكثر من أربعة عقود. ومن دون تغيير النظرة الحكومية لهذا المجتمع بوصفه صاحب حق في أن يكون شريكًا كاملًا في إدارة الموقع، ومن دون تنمية هذا المجتمع وتأهيله ليصبح على مستوى هذه الشراكة، فإن شيئًا لن يتغير.


  • الهوامش

    [1] البدول في أم صيحون، والعمارين في البيضا، والرواجفة في الراجف، والسعيديين في دلاغة، واللياثنة المقسمين على تجمعين في وادي موسى والطيبة.

    [2] المادة 24 من قانون سلطة إقليم البترا، رقم 15، للعام 2009.

    [3] Master Plan of the Protection & use of the Petra National Park, USAID, 1968.

    *اسم مستعار بناء على طلب الشخصية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية